ان ظهور مواطن روسي جديد (جيرار ديبارديو)، ورغم عميق احترامنا له، لا يمكن أن يعوض عن ضرر النزعة السلبية التي تلاحظ في روسيا. فعدد المواطنين الروس الذين يسعون الى مغادرة الوطن بحثا عن حياة أفضل، يزداد عاماً بعد عام. تفيد معطيات مركز "ليفادا" أن حوالي 22% من مواطني روسيا يحلمون بالهجرة. وهذه النسبة تزيد بـ 5% عن عام 2009 . وتشكل نسبة الشباب في سن ما بين 18 و 32 عاماً حوالي 43% من الراغبين بالهجرة. هذا، ولا يُعرف بالضبط عدد الذين يهاجرون كل عام من روسيا للعيش في دول أخرى، فالفرق بين الأرقام التي يعلنها الخبراء، وأرقام المصادر الرسمية يتجاوز عشرات الآلاف. وحتى اذا أخذنا بمعطيات الهيئة الفيدرالية للهجرة، نجد أن أكثر من 100 ألف مواطن غادروا روسيا في عام 2011 ، منهم 70 ألفاً سافروا للعمل، وحوالي 33 ألفا غادروا للعيش في الخارج بشكل دائم. وتنقل الصحيفة عن قسطنطين رومادونوفسكي رئيس الهيئة الفيدرالية للهجرة، أن هذه الأرقام لا تدعو للقلق. ويضيف رومادونوفسكي: "اذا اعتبرنا، أن عدد المغادرين أكبر بثلاثة أضعاف، فلا يعد ذلك خسارة"، لأن روسيا تستقبل كل عام حوالي 38 ألفاً من المهاجرين الأجانب من عداد الاختصاصيين المؤهلين. واذا سلمنا أن الأرقام التي تعلنها المصادر الرسمية صحيحة وغير مبالغ بها، فهذا لايعني أنهم قدموا للعيش في روسيا بشكل دائم. اعتادت السلطات في روسيا حصر أعداد المهاجرين من البلاد باولئك الذين تخلوا عن جنسيتهم الروسية بشكل رسمي. أما من غادر للعمل، او للدراسة، أو من يقوم بتأجير شقته ويعيش على دخله من ذلك في مكان ما في الخارج، فلا تشمله الإحصاءات الرسمية. واذا صدقنا المعطيات الرسمية فسيكون عدد المهاجرين الروس في تناقص. لقد بلغ هذا العدد عام 2000 حوالي 107 آلاف، وفي عام 2011 حوال 32 ألفاً. تقول المصادر الرسمية الروسية أن 1461 مواطناً روسياً غادر بشكل دائم للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2010. ولكن السلطات الأمريكية تعطي رقما مختلفا ، فتقول إن عدد المواطنين الروس الذين هاجروا اليها في ذلك العام بلغ 7502، أي خمسة اضعاف الرقم الروسي. يقول يوري كروبنوف رئيس مجلس المراقبين في معهد الديموغرافيا والهجرة وتطوير الأقاليم، إن "روسيا تشهد في الوقت الراهن أكبر موجة هجرة منذ ثورة اكتوبر عام 1917 ، ففي السنوات العشر الأخيرة غادر البلاد أكثر من 1.25 مليون مواطن". وفي كل عام يغادر روسيا بشكل نهائي من 100 الى 200 ألف شخص. لقد ارتفعت موجة الهجرة بشكل حاد خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ويتوقع علماء الاجتماع ارتفاعاً سنوياً في أعداد المهاجرين يتراوح بين 10 و 15 ألف شخص. وفي نفس الوقت تتدفق على روسيا أعداد كبيرة من المواطنين الأجانب. ويعتبر كروبنوف، أن سبب هجرة المواطنين الروس يعود جزئيا الى تدفق المهاجرين الأجانب الى البلاد، وبالأخص من بلدان رابطة الدول المستقلة، والصين وفيتنام. يؤكد الاختصاصيون الاجتماعيون أيضاً أن روسيا في الوقت الراهن تعيش حالة حادة من "هجرة الأدمغة" . فالعلماء لا ترضيهم الرواتب الهزيلة، ولا ظروف العمل. وان لم تتخذ السلطات اجراءات جدية لتغيير الوضع الحالي، سيصاب التطور العلمي في روسيا بالشلل التام. هاجر من روسيا أيضاً خلال السنوات العشر الأخيرة حوالي 30 ألفاً من رجال الأعمال، يعزو معظمهم أسباب ذلك الى انعدام فرص العمل بشكل شرعي في روسيا، وهم يرفضون المخاطرة بحريتهم ، ولايودون التعاون مع المسؤولين الفاسدين... فما هو رأي السلطات ؟ قال دميتري مدفيديف في لقاء مع طلاب جامعة موسكو الحكومية في شهر كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، وكان يشغل منصب رئيس روسيا الاتحادية: "اذا كانت لديكم رغبة بالهجرة، فاذهبوا". يبدو أن السلطات الروسية لا تعتبر قضية الهجرة من البلاد مشكلة جدية، وستعوض الخسارة الناتجة عنها بالعمالة غير المؤهلة من مهاجري بلدان آسيا الوسطى. يبدو أن حل الأمر بهذه الطريقة يرضي تلك السلطات!
المصدر: صحيفة "مير نوفوستي" ، الكاتب: أندريه كنيازيف
http://arabic.rt.com/analytics/69221/ :روسيا اليوم